(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)). [البقرة: ٢١].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذا أول أمر في القرآن الكريم، وهو الأمر بعبادة الله تبارك وتعالى، والناس: قيل: المراد عموم الناس (الكفار والمؤمنون) وقيل: المراد بالناس الكفار الذين لم يعبدوه، والأول أصح. …
(اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) أي: اخضعوا وذلوا لله سبحانه وتعالى، وأصل العبادة في لغة العرب: الذل والخضوع، وقيل للعبد (عبد) لذله وخضوعه لسيده، فالعبادة: الذل والخضوع على وجه المحبة خاصة، فلا تكفي المحبة دون الذل والخضوع، ولا يكفي الذل والخضوع دون المحبة، لأن الإنسان إذا كان ذله متجرداً عن محبة الله يُبغض الذي هو يذل له، ومن أبغض ربه هلك، وإذا كانت محبةً خالصة لا خوف معها، فإن المُحب الذي لا يُداخله خوف يحمله الدلال على أن يسيء الأدب، ويرتكب أموراً لا تنبغي، والله عز وجل لا يليق به شيء من ذلك (قاله الشنقيطي).
فالعبادة تطلق على معنيين: أحدهما: التعبد: يعني التذلل لله، كما سبق، وتطلق على المتعبد به (بالنسبة لأفعال العباد) وهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة القلبية والجوارحية.
• وفي هذه الآية وجوب عبادة الله عز وجل، وقد جاءت النصوص الآمرة بذلك:
قال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقال تعالى (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا).
وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً).
وقال تعالى (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
وقال تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ).
وأمر تعالى بعبادته حتى الموت: فقال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
بل الناس ما خلقوا إلا لعبادة الله تعالى: كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).