(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (١٤٧) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨)). [آل عمران: ١٤٧ - ١٤٨].
(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ) أي: في تلك المواطن الصعبة.
• قال الرازي: بين تعالى أنهم كانوا مستعدين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع بطلب الأمداد والإعانة من الله، والغرض منه أن يقتدي بهم في هذه الطريقة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب.
(إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) أي: استرها وتجاوزها عنا.
(وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) الإسراف: مجاوزة الحد إلى ما حرم.
• قال الشوكاني: قالوا ذلك هضماً لأنفسهم.
• قال ابن عاشور: … لأنَّه لمّا وصفهم برباطة الجأش، وثبات القلب، وصفهم بعد ذلك بما يدلّ على الثبات من أقوال اللِّسان الَّتي تجري عليه عند الاضطراب والجزع، أي أنّ ما أصابهم لم يخالجهم بسببه تردّد في صدق وعد الله، ولا بَدَر منهم تذمّر، بل علموا أنّ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، أو لعلَّه كان جزاء على تقصير منهم في القيام بواجب نصر دينه، أو في الوفاء بأمانة التكليف، فلذلك ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) خشية أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم، ثُمّ سألوه النصر وأسبابه.
• وقال السعدي: علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها.
• قال علي: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه.
• قوله تعالى (وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) قيل: المراد الكبائر.
• قال ابن عاشور: ويجوز عندي أن يكون المراد بالإسْراف في الأمر التقصير في شأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال، والاستعداد له، أو الحذر من العدوّ، وهذا الظاهر من كلمة أمْر، بأن يكونوا شكُّوا أن يكون ما أصابهم من هزيمتهم في الحرب مع عدوّهم ناشئاً عن سببين: باطننٍ وظاهر، فالباطن هو غضب الله عليهم من جهة الذنوب، والظاهرُ هو تقصيرهم في الاستعداد والحذر، وهذا أولى من الوجه الأول.
(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) عند ملاقاة الأعداء، فإن هذا الموطن من أصعب المواطن التي يحتاج الإنسان إلى تثبيت، وذلك بإزالة الخوف عن قلوبهم، وإزالة الخواطر الفاسدة عن صدورهم.