(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)). [النساء: ٥٨].
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) هذا خطاب لجميع المكلفين، والمعنى: يأمركم الله أيها المؤمنون بأداء الأمانات إلى أربابها.
• قال ابن كثير: يأمر تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله تعالى على عباده من الصلاة والزكاة والصيام، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغيرها.
• قال القرطبي: قوله تعالى (إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات) هذه الآية من أمّهات الأحكام تضمنّت جميع الدَّين والشرع وقد اختُلِف مَن المخاطب بها؛ فقال علي بن أبي طالب وزيد بن أسلم: هذا خطاب لولاة المسلمين خاصَّة، فهي للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأُمَرائه، ثم تتناول من بعدهم.
وقال ابن عباس: الآية في الولاة خاصة في أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ويردُوهن إلى الأزواج.
والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال، ورد الظلامات والعدل في الحكومات، وهذا اختيار الطبري.
وتتناول مَن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرّز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة مّا ونحوه؛ والصلاةُ والزكاةُ وسائرُ العبادات أمانة الله تعالى.
وممن قال إن الآية عامة في الجميع البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب قالوا: الأمانة في كل شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع، وقال ابن عباس: لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة.
قلت: وهذا إجماع.
وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرارِ منهم والفجار؛ قاله ابن المنذر. (تفسير القرطبي).
• وقال ابن عاشور: واعلم أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة.
وقال رحمه الله: وجملة (إنّ الله يأمركم) صريحة في الأمر والوجوب، مثل صراحة النهي في قوله في الحديث (إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم).