قال ابن القيم: الصحيح في قوله تعالى (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه، فإنه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافاً إلى الرب تعالى، على طريقة واحدة، ومعنى واحد، فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة، وهو قوله (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، وهذا لا يتعين حمله على القبلة والجهة، ولا يمتنع أن يراد به وجه الرب حقيقة، فحمله على غير القبلة كنظائره كلها أولى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: لكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي، لأن ذلك هو الأصل، وليس هناك ما يمنعه، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى قِبَلَ وجه المصلي. ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة. وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع.
القول الثاني: ذهبت طائفة إلى أن هذه الآية ليس من باب الصفات في شيء.
قال ابن تيمية: ليست هذه الآية من آيات الصفات ومن عدها في الصفات فقد غلط.
[وقد اختلف هؤلاء في معناها على أقوال]
فقيل: أن معنى (فثم وجه الله) أي: فثم قبلة الله، قالوا: والوجه يأتي في اللغة بمعنى الجهة، يقال: وِجْهَة ووجه وَجِهَة. وممن روي عنه هذا القول: ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والشافعي.
واختاره: الواحدي، والزمخشري، وابن عطية، والرازي، وابن تيمية.
قال ابن تيمية: (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أي: قبلة الله، ووجْهِة الله، هكذا قال جمهور السلف.
وقيل: (فثم وجه الله) أي: فثم رضا الله وثوابه.
والراجح - والله أعلم - القول الأول.
وقد اختلف العلماء في المعنى الذي نزلت فيه (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه) على أقوال:
قيل: ما جاء عن ابن عباس قال (كان أول ما نسخ من القرآن: القبلة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهراً، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله (قد نرى تقلب وجهك في السماء …
إلى قوله فولوا وجوهكم شطره) فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فأنزل الله (قل لله المشرق والمغرب) وقال (فأينما تولوا فثم وجه الله) رواه ابن جرير، وهذه الرواية ثابتة عن ابن عباس، وأيضاً من قبيل الصريح في سبب النزول.