للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)). [البقرة: ١١، ١٢]

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا قال لهم أحد من الناس: لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة اليهود والكافرين ردوا قائلين:

• قال القرطبي: قوله (لَا تُفْسِدُواْ) " لا " نهي، والفساد ضدّ الصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدّها.

فَسَد الشيء يَفْسِدُ فَساداً وفُسوداً وهو فاسد وفِسيد.

والمعنى في الآية: لا تُفسدوا في الأرض بالكفر وموالاة أهله، وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.

• قال ابن عاشور: والقائل لهم (لا تفسدوا في الأرض) بعض من وقف على حالهم من المؤمنين الذين لهم اطلاع على شؤونهم لقرابة أو صحبة، فيخلصون لهم النصيحة والموعظة رجاء إيمانهم ويسترون عليهم خشية عليهم من العقوبة وعلماً بأن النبيء -صلى الله عليه وسلم- يغضي عن زلاتهم كما أشار إليه ابن عطية.

(قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فجمعوا في قولهم هذا بين أمرين كبيرين: العمل بالفساد في الأرض، وإظهار أنه ليس بإفساد بل هو صلاح، قلباً للحقائق وجمعاً بين فعل الباطل واعتقاده حقاً.

الفساد: ضد الصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها، والمعنى: لا تفسدوا في الأرض بالكفر وموالاة أهله، وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن.

• قال بعض العلماء: تصوروا الفساد بصورة الصلاح، لما في قلوبهم من المرض فكانوا كما قال الله فيهم (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً).

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) هذا كلام مستأنف وجواب من الله تعالى رداً على هؤلاء المنافقين، فإنه لا أعظم إفساداً ممن كفر بآيات الله، وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه، ووالى المحاربين لله ورسوله وزعم - مع هذا - أن هذا إصلاح، فهل بعد هذا الفساد فساد؟

(وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أي: ولكن لا يحسون ويفطنون لانطماس نور الإيمان في قلوبهم.

• قال ابن القيم: تأمل كيف نفى عنهم الشعور في هذا الموضع، وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسداً ولا شعور له بفساده البتة، مع أن أثر فساده مشهور في الخارج، مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به، وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>