(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ) يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف، فخشوا - لعنهم الله - إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاءً على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نزر يسير، فباعوا أنفسهم بذلك واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله بذلك النزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة.
ولهذا قال تعالى:
(وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) الضمير في قوله (به) يرجع إلى الشيء المكتوم، أي: أنهم يشترون بالشيء الذي كتموه ثمناً قليلاً من متاع الدنيا، كالرشا أو المناصب أو الجاه عند أتباعهم.
• معنى اشتروا: أي استعاضوا عنه بثمن قليل من المنافع الدنيوية.
• وسماه قليلاً لانقطاع مدته وسوء عاقبته.
• وفي الآية أن من موانع الهداية أن يكون للإنسان في الباطل شهرة ومكانة.
• وهذه الآية وإن كانت في اليهود لكنها لا تختص بهم، فكل من كتم علماً فهو داخل في هذه الآية.
• قال الشيخ ابن عثيمين: المنحرف عن الدين وعن نشر العلم ينحرف لأحد سببين:
السبب الأول: خشية الناس.
السبب الثاني: الطمع في الدنيا.
قال تعالى في سورة المائدة (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قليلاً).
(أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) أي: إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق ناراً تأجج في بطونهم يوم القيامة كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) وفي الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم). [تفسير ابن كثير: ١/ ٩٢]