(وَآتُوا النِّسَاءَ) أي: وأعطوا النساء مهورهن. (والمراد بالنساء المتزوجات).
[واختلف لمن الخطاب في الآية على قولين]
[الأول: إن هذا خطاب لأولياء النساء.]
وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئاً، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئاً لك النافجة، ومعناه أنك تأخذ مهرها إبلاً فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه، وقال ابن الأعرابي: النافجة يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته، فنهى الله تعالى عن ذلك، وأمر بدفع الحق إلى أهله، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة.
[القول الثاني: أن الخطاب للأزواج.]
أمروا بإيتاء النساء مهورهن، وهذا قول: علقمة والنخعي وقتادة واختيار الزجاج.
قال: لأنه لا ذكر للأولياء ههنا، وما قبل هذا خطاب للناكحين وهم الأزواج.
ورجحه الطبري وقال: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك، التأويل الذي قلناه. وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساءَ، ونهاهم عن ظلمهنّ والجور عليهن، وعرّفهم سبيلَ النجاة من ظلمهنّ. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صُرِف عنهم إلى غيرهم. فإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، هم الذين قيل لهم:"وآتوا النساء صدقاتهن" وأن معناه: وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في أوّل الآية (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)، ولم يقل (فأنكحوا)، فيكون قوله (وآتوا النساء صدقاتهن) مصروفًا إلى أنه معنيّ به أولياء النساء دون أزواجهن، وهذا أمرٌ من الله أزواجَ النساء المدخول بهن والمسمَّى لهن الصداق، أن يؤتوهن صدُقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق.
• وقال القرطبي: والأوّل أظهر؛ فإن الضمائر واحدة وهي بجملتها للأزواج فهم المراد؛ لأنه قال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى) إلى قوله (وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) وذلك يوجب تناسق الضمائر وأن يكون الأوّل فيها هو الآخر.