(وَمِنَ النَّاسِ … ) ذكر الله تعالى في هذه الآيات صفات المنافقين، فأول أربع آيات في سورة البقرة في المؤمنين، وآيتين في الكفار، وثلاثة عشرة آية في المنافقين.
• قال النسفي: افتتح سبحانه وتعالى بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم، ثم ثنى بالكافرين قلوباً وألسنة، ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاءً وخداعاً ولذا نزل فيهم (إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار).
• قال الشوكاني: ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص، ثم ذكر ثالثاً المنافقين وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين، بل صاروا فرقة ثالثة؛ لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى، وفي الباطن الطائفة الثانية، ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار.
• فإن قال قائل: لماذا كان التحذير من المنافقين أشد من الكفار؟ فالجواب: نظراً لخطرهم العظيم، ولالتباس أمرهم، وتسميهم باسم الإسلام، بخلاف الكافر فإنه معلوم كفره فيجتنب.
• قال ابن كثير: نزلت صفات المنافقين في السور المدنية، وذلك لأن مكة لم يكن بها نفاق، بل كان الأمر في مكة على خلاف النفاق، فكان كثير من أهل الإسلام بمكة يخفون إسلامهم ويسرون بإيمانهم خوف القتل من المشركين، أما المدينة فلما كثر فيها المسلمون وقويت شوكتهم بدأ أهل الكفر يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر خوف السيف.
(مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر، أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فأكذبهم الله بقوله: وما هم بمؤمنين، لأن الإيمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.