(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ … ) هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب، الذين أخَذ عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن ينوهوا بذكره في الناس ليكونوا على أهْبَة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم.
وفي هذا تَحْذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلكَ بهم مَسْلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئاً، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من سُئِل عن عِلْم فكَتَمه ألْجِم يوم القيامة بِلجَامٍ من نار. (تفسير ابن كثير).
• قال ابن الجوزي: قوله تعالى (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ … ) في هاء الكناية في (لتبيننه) و (تكتمونه) قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قول من قال: هم اليهود.
والثاني: أنها ترجع إلى الكتاب، قاله الحسن، وقتادة، وهو أصح، لأن الكتاب أقرب المذكورين، ولأن من ضرورة تبيينهم ما فيه إظهار صفة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قول من ذهب إلى أنه عام في كل كتاب. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا.