(ومَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أي: ومن لم يشرب منه فإنه من جندي الذين يقاتلون معي.
• قال القرطبي: ولم يقل ومن لم يشربه لأن من عادة العرب إذا كرروا شيئاً أن يكرروه بلفظ آخر، ولغة القرآن أفصح اللغات، فلا عِبرة بقدح من يقول: لا يقال طعمت الماء.
(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أي: لكن من اغترف قليلاً من الماء ليبل عطشه وينقع غلته فلا بأس بذلك.
(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) أي: فلما وصلوا إلى النهر انكبوا على الماء وأفرطوا في الشرب منه إلا عدداً قليلاً منه صبروا على العطش والحر، واكتفوا بغُرفة اليد.
• قال ابن الجوزي: وفي عدد القليل الذين لم يشربوا إلا غرفة قولان:
أحدهما: أنهم أربعة آلاف، قاله عكرمة والسدي.
والثاني: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وهو الصحيح، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال لأصحابه يوم بدر (أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقاء جالوت) وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
• في هذا أن أكثر عباد الله لا ينفذ أمر الله.
وقد روى أحمد والدارمي عن عبد الله بن سلام قال (قعدنا نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتذاكرنا فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه، فأنزل الله تعالى (سبح لله … ) حتى ختمها، قال عبد الله: فقرأها علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ختمها).
والآية إنكار لمن يقول قولاً ولا يفعله، أو يعد وعداً لا يفي به.
قال القرطبي: قوله تعالى (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله، أما في الماضي فيكون كذباً، وأما في المستقبل فيكون خلفاً وكلاهما مذموم.
• وفي الآية تعريض بأن العافية لا يعدلها شيء، وأن السلامة غنيمة، وأن الأولى أن الإنسان لا يسأل أو يتمنى أمر قد لا يفي بفعله، أو يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به.