(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي: فأعطوهم نصيبهم من الميراث حسب ما اتفقتم عليه في عقد اليمين.
لأن هذا من الوفاء بالعهد، وقد قال تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً).
• وهذا الحكم منسوخ، قال ابن كثير: وكان هذا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة.
• قال القرطبي: بيّن تعالى أن لكل إنسان ورثةً وَموالي؛ فلينتَفِع كلُّ واحدٍ بما قسَم الله له من الميراث، ولا يتمنى مالَ غيره.
وروى البخاري في كتاب الفرائض من رواية سعيد بن جُبير عن ابن عباس (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قال: كان المهاجرون حين قدِموا المدينة يرث الأنصاري المهاجريُّ دون ذوي رحِمِه؛ للأخوة التي آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) قال: نسختها (والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ).
قال أبو الحسن بن بطّال: وقع في جميع النسخ (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) قال: نسختها (والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ).
والصواب أن الآية الناسخة (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) والمنسوخة (والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، وكذا رواه الطبري في روايته.
وروي عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله (والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قوله تعالى في "الأنفال" (وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ).
• قال الشنقيطي: قوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) هذه الآية تدل على أن إرث الحلفاء من حلفائهم، وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).
والجواب أن هذه الآية ناسخة لقوله (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، ونسخها لها هو الحق خلافاً لأبي حنيفة ومن وافقه في القول بإرث الحلفاء اليوم إن لم يكن له وارث.
وقد أجاب بعضهم بأن معنى (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أن من الموالاة والنصرة وعليه فلا تعارض بينهما والعلم عند الله.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي: أن الله على كل شيء صغيراً كان أو كبيراً، ظاهراً أو خفياً مطلع مراقب.
وفي الآية تهديد لمن لم يف بالعهد.
[الفوائد]
١ - إثبات الإرث.
٢ - كمال الشريعة بإيجاب الوفاء بالعهود والعقود.
٣ - وقوع النسخ في الشريعة.
٤ - التحذير من مخالفة الله، لأن الله شاهد عليه مطلع.