(وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)). [السناء: ٨٣].
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) قال ابن كثير: إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
• قال السعدي: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه،
• والمراد بالأمر هنا: الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع وأذيع.
والمعنى: أن هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا شيئاً من الأخبار التي تتعلق بأمن المسلمين أو خوفهم أذاعوها وأظهروها قبل
أن يقفوا على حقيقتها.
• قال الآلوسي: والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء أثر بيان جناية المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا غزت سرية من المسلمين قالوا عنها:
أصاب المسلمون من عدوهم كذا، وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا من غير أن يكون النبي صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يخبرهم به، وقيل: كان الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئاً من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالاً على المؤمنين.
• قال القرطبي: قوله تعالى (أَذَاعُواْ بِهِ) أي: أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته.
• قال الآلوسى: (وَإِذَا جَاءهُمْ) أي: المنافقين كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك وأبي معاذ، أو ضعفاء المسلمين كما روي عن الحسن وذهب إليه غالب المفسرين أو الطائفتين كما نقله ابن عطية.
• وقال ابن عطية: قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن) الآية، قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم، حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف المسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك التعظيم، و (أذاعوا به) معناه: أفشوه، وهو فعل يتعدى بحرف جر وبنفسه أحياناً، تقول أذاعت كذا وأذعت به.
وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم- (كفى بالمرء كذباً أن يُحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في المقدمة.
وعن المغيرة. (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قيل وقال) متفق عليه، قال ابن كثير: أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبيّن.