(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال ابن جرير في هذه الآية: أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك، وتلك الآيات هو ما حواه كتاب الله من خفايا علم اليهود ومكنونات سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، فأطلع الله في كتابه الذي أنزله على محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان من ذلك في أمره الآيات البينات لمن أنصف من نفسه ولم يدعها إلى هلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة؛ تصديق من أتى بمثل ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الآيات البينات. (تفسير الطبري).
قال الرازي: الأظهر أن المراد من الآيات البينات القرآن الذي لا يأتي بمثله الجن والإنس ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وقال بعضهم: لا يمتنع أن يكون المراد من الآيات البينات القرآن مع سائر الدلائل نحو امتناعهم من المباهلة ومن تمني الموت وسائر المعجزات نحو إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ونبوع الماء من بين أصابعه وانشقاق القمر.
(وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) أي: وما يجحد بهذه الآيات ويكذب بها إلا الجاحدون عن الطاعة الماردون عن الكفر.
قال أبو حيان (وما يكفر بها إلا الفاسقون) المراد بالفاسقين هنا: الكافرون، لأن كفر آيات الله تعالى هو من باب فسق العقائد، فليس من باب فسق الأفعال.
سبق أن الفسق يطلق على الفسق المخرج عن الملة، وعلى الفسق ما دون ذلك.
[الفوائد]
١ - أن القرآن آيات بينات ليس فيها غموض ولا إشكال.
٢ - الرد على من قال: إن آيات القرآن مشتبهات لا يعلم معناها الناس، فإن جميع آيات القرآن الكريم معلومة المعنى وليس فيها شيء مجهول المعنى لجميع الأمة، لو كان فيها شيء مجهول المعنى لجميع الأمة لم يكن القرآن بياناً، بل كان بعضه بياناً وبعضه غير بيان.
٣ - أنه لا يكفر بهذه الآيات التي أنزلها على محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا الفاسق الخارج عن طاعة الله.
٤ - أن كل من كان أطوع لله عز وجل وأقوم لطاعته، كان ظهور الآيات الكريمة في القرآن أبين عنده وأوضح.