(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)). [البقرة: ٥٤].
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ) أي واذكروا إذ قال موسى لقومه بعدما رجع من الموعد الذي وعده ربه فرآهم قد اتخذوا العجل.
(يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) وأي ظلم أعظم وأشد من أن يتخذ الإنسان مع بارئه وخالقه إلهاً يعبده، فإن هذا أظلم الظلم كما قال تعالى (نَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
قوله تعالى (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ): أي إلهاً.
(فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ) أي خالقكم، والتوبة الرجوع من المعصية إلى الطاعة، مع الإقلاع والندم.
• قوله تعالى (إِلَى بَارِئِكُمْ) قال ابن كثير: في هذا تنبيه على عظم جرمهم، أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره.
والله عز وجل ينبه كثيراً على هذا المعنى، ويذكر المشركين بذلك، وأن الخالق هو المستحق للعبادة:
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ).
وقال تعالى (أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ).
وقال تعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
وقال تعالى (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وكما قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) ولم يقل إلا الله لفائدتين:
الأولى: الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة، لأنه كما أنه متفرد بالخلق، فيجب أن ينفرد بالعبادة.
والثانية: الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام، ولأنها لم تفطركم حتى تعبدوها، ففيها تعليل للتوحيد الجامع بين النفي والإثبات.