للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: التعرض للغضب الإلهي.

فمن تجرد من التثبت أو التبين، كثرت أخطاؤه وتضاعفت عثراته، ومن ثَمَّ يستوجب غضب الله وسخطه.

رابعاً: فقد ثقة الناس مع النفور والكراهية.

فمن عرف عنه العجلة في الرأي والحكم، أو عدم التثبت أو التبين ينظر إليه الناس على أنه أرعن أحمق، ومثل هذا يسحب الناس ثقتهم به، بل وينفرون منه.

• وقد عدد الفخر الرازي المضار التي تعود على الأمة بسبب إذاعة الأخبار بدون تثبت فقال:

وكان سبب الضرر من إذاعة هذه الأخبار من وجوه:

الأول: أن مثل هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير.

الثاني: أنه إذا كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة. فإذا لم توجد فيه تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى اللّه عليه وسلم لأن المنافقين كانوا يروون هذه الإرجافات عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم.

وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه.

الثالث: أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام. وذلك سبب لظهور الأسرار. وذلك مما لا يوافق المصلحة.

الرابع: أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار. فكل ما كان أمناً لأحد الفريقين كان خوفاً للفريق الثاني. فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم. أرجف المنافقون بذلك، فوصل الخبر إلى الكفار فأخذوا في التحصن من المسلمين. وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه. فظهر من ذلك أن ذلك الإرجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه. ولما كان الأمر كذلك ذم اللّه - تعالى - تلك الإذاعة وذلك التشهير ومنعهم منه.

• فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الأخبار إلى الرسول وإلى أولي الأمر هم المنافقون، فكيف جعل أولي الأمر منهم في قوله (وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ)؟

قلنا: إنما جعل أولي الأمر منهم على حسب الظاهر، لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون، ونظيره قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ) وقوله (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ).

(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) أي: لولا ما تفضل الله به عليكم من إرسال رسوله، وإنزال كتابه لاتبعتم الشيطان، فبقيتم على كفركم إلا قليلاً منكم، أو إلا اتباعاً قليلاً منكم.

وقيل: المعنى: أذاعوا به إلا قليلاً منهم، فإنه لم يذع ولم يفش. قاله الكسائي، والأخفش، والفراء، وأبو عبيدة، وأبو حاتم، وابن جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>