(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)). [سورة البقرة: ١٤٤].
(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) (قد) إذا دخلت على المضارع منسوباً إلى الله، فإن ذلك يعني المبالغة في التحقيق. أي: قد رأينا ذلك (تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) أي: توجهك بوجهك وبصرك إلى السماء حال الدعاء، تنظر إليها، وتنتظر أمر الله لك ووحيه إليك، بتحويل القبلة إلى الكعبة.
قال ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهراً، وكان يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء فأنزل الله (قد نرى … إلى قوله: فولوا وجوهكم شطره). (تفسير ابن كثير).
• قال ابن عطية: المقصد تقلب البصر، وذكر الوجه لأنه أعم وأشرف، وهو المستعمل في طلب الرغائب، تقول: بذلت وجهي في كذا، وفعلت لوجه فلان.
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) أي: فلنجعلنك متولياً إلى جهتها، وقيل: هو من الولاية، أي: فلنعطينك ذلك، والأول أولى.
(قِبْلَةً تَرْضَاهَا) وهي المسجد الحرام، كما في حديث البراء بن عازب وفيه ( … وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلاَّهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مَكَّةَ … ).
• قوله تعالى (تَرْضَاهَا) المراد بهذا الرضا رضا المحبة بالطبع، لا رضا التسليم والانقياد لأمر الله.
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) المراد بالشطر هنا: الناحية والجهة، والمراد بشطر المسجد: الكعبة.
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي: وحيثما كنتم أيها المؤمنون فتوجهوا في صلاتكم نحو الكعبة.
• بهذا الخطاب والأمر له -صلى الله عليه وسلم- ولأمته، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ونسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة.
• وكان أول صلاة صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة صلاة العصر، كما في حديث البراء، وروي أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة الظهر، وكان ذلك في منتصف رجب، وقيل في منتصف شعبان.