(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥)). [النساء: ٣٥].
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) أي: وإذا أيقنتم وعلمتم استمرا الشقاق بين الزوجين، والشقاق: هو الخلاف والعداوة.
• قال القرطبي: الجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله: "وَإنْ خِفْتُمْ" الحُكّامُ والأُمراء.
وقيل: الخطاب للأولياء.
(فَابْعَثُوا) أي: أرسلوا، والخطاب للحكام (القضاة).
(حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا) أي: فالحاكم حينئذ يقيم حكمين أحدهما من أقارب الزوج والآخر من أقارب الزوجة.
• والسر في اختيار كل واحد من الحكمين من أقارب الآخر: لأنهما أدرى بحالهما وأعلم ببواطن الأمور، لأن الزوجين يفشيان لأقاربهما ما لا يفشيان لغيرهم.
• قال الآلوسي: وخص الأهل لأنهم أطلب للصلاح وأعرف بباطن الحال وتسكن إليهم النفس فيطلعون على ما في ضمير كلّ من حب وبغض وإرادة صحبة أو فرقة.
• اختلف العلماء في الرجلين المبعوثين هل هما حكمان أم وكيلان للزوجين على قولين:
أحدهما: أنهما وكيلان. والثاني: أنهما حكمان، وهذا هو الصحيح.
ورجح هذا القول بان القيم وقال: العجب كل العجب ممن يقول: هما وكيلان لا حاكمان، والله تعالى قد نصبهما حكمين.
وعلى هذا القول فإنها يلزمان الزوج بدون إذنهما ما يريان فيه المصلحة من طلاق أو خلع.
لأن الله سمى كلاً منهما حكماً، والحكم هو الحاكم، ومن شأن الحاكم أن يلزم بالحكم، وقد روى ابن أبي شيبة هذا القول عن عثمان، وعلي، وابن عباس، والشعبي، وسعيد بن جبير، وهو قول مالك، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إنه الأصح، لأن الوكيل ليس بحَكَم، ولا يحتاج فيه إلى أمر الأئمة، ولا يشترط أن يكون من الأهل.
والله تعالى قال (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً) والوكيلان لا إرادة لهما، وإنما يتصرفان بإذن موكليها، ولأن الوكيل لا يسمى حكماً في لغة القرآن ولا في لسان العرب.
• وعلى الحكمين المذكورين تقوى الله سبحانه وتعالى والنظر فيما يصلح شأنهما ودراسة قضيتهما من جميع الجوانب، وبعد ذلك يقرران ما يريانه من جمع أو تفريق.
(إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً) الضمير في قوله (يريدا) يعود للحكمين - وهذا قول الجمهور - وقيل: على الزوجين، والأول أصح، لأن الحكمين هما اللذان يريدان أن يحكما، فنية الإصلاح تكون منهما، أما الزوجان فالخلاف قائم بينهما، وكل واحد يريد الانتصار لنفسه.