أنه لما غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشاً يوم بدر وقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع، وقال: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك أن قتلت نفراً من قريش لا يعرفون القتال، لو قاتلتنا لعرفت، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: إن يهود أهل المدينة لما شاهدوا وقعة أهل بدر، قالوا: والله هو النبي الأمي الذي بشرنا به موسى في التوراة، ونعته وأنه لا ترد له راية، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا فلما كان يوم أُحد ونكب أصحابه قالوا: ليس هذا هو ذاك، وغلب الشقاء عليهم فلم يسلموا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: إن هذه الآية واردة في جمع من الكفار بأعيانهم علم الله تعالى أنهم يموتون على كفرهم، وليس في الآية ما يدل على أنهم من هم.
قال أبو حيان: والظاهر أن: الذين كفروا يعم الفريقين المشركين واليهود، وكل قد غلب بالسيف، والجزية، والذلة، وظهور الدلائل والحجج.
(وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ) أي: وتجمعون وتساقون إلى جهنم.
فيكون هؤلاء الكفار قد خسروا الدنيا بالغلبة والذل، وخسروا الآخرة بأنهم يحشرون إلى جهنم، وهذا كقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).
(وَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي: وبئس المهاد والفراش الذي تمتهدونه نار جهنم.
كما قال تعالى (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).