(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)). [البقرة: ٢٥٤].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تصدير الخطاب بهذا النداء فيه ثلاثة فوائد:
الأولى: العناية والاهتمام به والتنبيه.
الثانية: الإغراء، وأن من يفعل ذلك فإنه من الإيمان، كما تقول يا ابن الأجود جُد.
الثالثة: أن امتثال هذا الأمر يعد من مقتضيات الإيمان، وأن عدم امتثاله يعد نقصاً في الإيمان.
(أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) أي: أنفقوا في سبيل الله من مال الله الذي منحكم إياه، ادفعوا الزكاة وأنفقوا في وجوه الخير والبر والصالحات.
قيل: هذا الأمر مختص بالزكاة، لأن قوله (مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ) كالوعد والوعيد لا يتوجه إلا على الواجب.
وقال الأكثرون: هذا الأمر يتناول الواجب والمندوب، وليس في الآية وعيد، فكأنه قيل: حصلوا منافع الآخرة حين تكونون في الدنيا، فإنكم إذا خرجتم من الدنيا لا يمكنكم تحصيلها واكتسابها في الآخرة.
والقول الثالث: أن المراد منه الإنفاق في الجهاد؛ والدليل عليه أنه مذكور بعد الأمر بالجهاد، فكان المراد منه الإنفاق في الجهاد، وهذا قول الأصم.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) يعني يوم القيامة.
(لا بَيْعٌ فِيهِ) أي: لا تستطيعون أن تفتدوا نفوسكم بمال تقدمونه، ولو جاء بملء الأرض ذهباً، فلا تنفعه صداقة أحد بل ولا نسابته.
كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).
وقال تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ).
فالبيع ههنا بمعنى الفدية، كما قال تعالى (فاليوم لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ).
وقال تعالى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ).