فالجواب: الحجة تأتي بالقرآن بمعنى ما يحتج وبه ويتمسك به سواء كان صحيحاً أو باطلاً كما قال الله تعالى (حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِم) فسماها حجة مع أنها باطلة، وقال تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم) والمحاجة هي أن يورد كل واحد منهم على صاحبه حجة، وهذا يقتضي أن يكون الذي يورد المبطل يسمى بالحجة، ولأن الحجة اشتقاقها من حجه إذا علا عليه، فكل كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجة، وقال بعضهم: إنها مأخوذة من محجة الطريق، فكل كلام يتخذه الإنسان مسلكاً لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجة، وإذا ثبت أن الشبهة قد تسمى حجة كان الاستثناء متصلاً.
وممن رجح أن الاستثناء متصلاً ابن جرير الطبري ورجحه ابن تيمية وابن القيم.
• قال السعدى: وكان صرف المسلمين إلى الكعبة، مما حصلت فيه فتنة كبيرة، أشاعها أهل الكتاب، والمنافقون، والمشركون، وأكثروا فيها من الكلام والشبه، فلهذا بسطها الله تعالى، وبينها أكمل بيان، وأكدها بأنواع من التأكيدات، التي تضمنتها هذه الآيات.
منها: الأمر بها، ثلاث مرات، مع كفاية المرة الواحدة.
ومنها: أن المعهود أن الأمر، إما أن يكون للرسول، فتدخل فيه الأمة تبعاً، أو للأمة عموماً، وفي هذه الآية أمر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخصوص في قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ) والأمة عموماً في قوله (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ).
ومنها: أنه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة، التي أوردها أهل العناد وأبطلها شبهة شبهة، كما تقدم توضيحها.
ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب.
ومنها: قوله (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف، ولكن مع هذا قال (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
ومنها: أنه أخبر - وهو العالم بالخفيات - أن أهل الكتاب متقرر عندهم، صحة هذا الأمر، ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم.
(فَلا تَخْشَوْهُمْ) أي: فلا تخشوا هؤلاء الظلمة المعاندين المخالفين للحق من اليهود والمشركين والمنافقين مهما قالوا، ومهما أرادوا بكم من أذى.
(وَاخْشَوْنِي) أي: وخافوني وأفردوني بالخشية، فأنا القادر على نصركم، وحفظكم منهم.