• قال ابن كثير: جمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر، فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام.
(أُولَئِكَ) فيه قولان:
أحدهما: أنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، والدليل عليه أنه تعالى ذكر حكم الفريق الأول حيث قال
(وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خلاق).
والقول الثاني: أنه راجع إلى الفريقين أي لكل من هؤلاء نصيب من عمله على قدر ما نواه.
(لَهُمْ نَصِيبٌ) أي: لهم حظ.
(مِمَّا كَسَبُوا) أي: فكل من هؤلاء وهؤلاء نصيب من كسبهم وجزاء أعمالهم كما قال تعالى (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
(وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) يحتمل معنيان: يحتمل أن يوم الأخر - الذي يقع فيه الحساب - أن مجيئه قريب وسريع، وكل ما هو آت قريب والله أخبر عن أمر الساعة أنه كلمح البصر أو هو أقرب.
كما قال تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ).
وقال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
ويحتمل - وهو المتبادر -: أن ذلك الحساب لا يطول لكثرة الخلق الذين يحاسبهم، بخلاف حال المخلوقين فإنهم إذا كثر ذلك عليهم فإن ذلك يقتضي طول الوقت الذي تستغرقه تلك المحاسبة.