(فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي: اكتبنا في جملة من شهد لك بالتوحيد ولأنبيائك بالتصديق، والمقصود من هذا أنهم لما أشهدوا عيسى -عليه السلام- على إسلام أنفسهم، حيث قالوا (واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) فقد أشهدوا الله تعالى على ذلك تأكيداً للأمر، وتقوية له، وأيضاً طلبوا من الله مثل ثواب كل مؤمن شهد لله بالتوحيد ولأنبيائه بالنبوّة.
• قال الطبري: يقول: فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق، وأقرُّوا لك بالتوحيد، وصدّقوا رسلك، واتبعوا أمرك ونهيك، فاجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به من كرامتك، وأحِلَّنا محلهم، ولا تجعلنا ممن كفر بك، وصدَّ عن سبيلك، وخالف أمرك ونهيك.
وقيل: (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي: محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ومحمد -صلى الله عليه وسلم- يشهد لهم بالصدق.
(وَمَكَرُوا) أي: مكروا بعيسى حيث هموا بقتله.
(وَمَكَرَ اللَّهُ) حيث أنقذه منهم، ورفعه إلى السماء.
قيل: إن الحواريين كانوا اثني عشر، وكانوا مجتمعين في بيت فنافق رجل منهم، ودل اليهود عليه، فألقى الله شبهه عليه ورفع عيسى، فأخذوا ذلك المنافق الذي كان فيهم، وقتلوه وصلبوه على ظن أنه عيسى -عليه السلام-، فكان ذلك هو مكر الله بهم.
• قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مكر اليهود بعيسى ولا مكر الله باليهود، ولكنه بين في موضع آخر أن مكرهم به محاولتهم قتله، وذلك في قوله (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله) وبين أن مكره بهم إلقاؤه الشبه على غير عيسى وإنجاؤه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذلك في قوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ)، وقوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ).
(وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) سبحانه وتعالى.
[الفوائد]
١ - عتو بني إسرائيل.
٢ - أن الرسل دعوتهم إلى الله لا إلى أنفسهم.
٣ - فضيلة الحواريين.
٤ - أن الرسل لا يعلمون الغيب.
٥ - فضيلة الحواريين في لجوئهم إلى الله.
٦ - إثبات علو الله.
٧ - أن أعداء الرسل يمكرون لهم.
٨ - أن الله لا يوصف بالمكر على سبيل الإطلاق، بل يقال: إن الله ماكر بمن يمكر به.