(إنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (٩١)). [آل عمران: ٩٠ - ٩١].
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) يقول تعالى متوعدًا ومتهدِّدًا لمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا، أي: استمر عليه إلى الممات، ومخبراً بأنه لا يقبل لهم توبة عند مماتهم، كما قال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
• قال الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن المرتدين بعد إيمانهم المزدادين كفراً لا يقبل الله توبتهم إذا تابوا؛ لأنه عبّر بـ (لن) الدالة على نفي الفعل في المستقبل.
مع أنه جاءت آيات أخر دالة على أن الله يقبل توبة كل تائب قبل حضور الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها.
كقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف).
وقوله (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ).
والجواب من أربعة أوجه:
ورجح رحمه الله فقال:
الثاني: وهو أقربها عندي أن قوله تعالى (لن تقبل توبتهم) يعني إذا تابوا عند حضور الموت، ويدل لهذا الوجه أمران:
الأول: أنّه تعالى بيّن في مواضع أخرى أنّ الكافر الذي لا تقبل توبته هو الذي يصر على الكفر حتى يحضره الموت في ذلك الوقت، كقوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) فجعل التائب عند حضور الموت والميت على كفره سواء.
وقوله تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا).
وقوله في فرعون (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِين) فالإطلاق الذي في هذه الآية يقيّد بقيد تأخير التوبة إلى حضور الموت لوجوب حمل المطلق على المقيد كما تقرر في الأصول.
الثاني: أنه تعالى أشار إلى ذلك بقوله (ثم ازدادوا كفراً) فإنه يدل على عدم توبتهم في وقت نفعها، ونقل ابن جرير هذا الوجه الثاني - الذي هو التقيد بحضور الموت - عن الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي.
(وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) أي: الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغَيِّ.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) أي: من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدًا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قُرْبة.
كما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عبد الله بن جُدْعان -وكان يُقْرِي الضيفَ، ويَفُكُّ العاني، ويُطعم الطعام-: هل ينفعه ذلك؟ فقال: لا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِن الدَّهْرِ: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي يوم الدِّينِ.