(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) أي: ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يريدون أن يأمنوكم بإظهار الإيمان، ويأمنوا قومهم بإظهار الكفر إذا رجعوا إليهم (كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) أي: كلما دعوا إلى الكفر أو قتال المسلمين عادوا إليه وقُلبوا فيه على أسوأ شكل، فهم شر من كل عدو شرير.
• قال ابن كثير: هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء منافقون يظهرون للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه الإسلام، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) وقال هاهنا (كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا) أي: انهمكوا فيها.
وقال السدّي: الفتنة هاهنا: الشرك. وحكى ابن جرير، عن مجاهد: أنها نزلت في قوم من أهل مكة، كانوا يأتون النبي صلى الله
عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا. (تفسير ابن كثير).
• وقال السعدي: وهؤلاء في الصورة، كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها، فإن الفرقة الثانية، تركوا قتال المؤمنين، احتراماً لهم، لا خوفاً على أنفسهم، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفاً لا احتراماً، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين، فإنهم سيقدمون لانتهازها.
• قال الرازي: قال المفسرون: هم قوم من أسد وغطفان، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا، وغرضهم أن يأمنوا المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم (كُلَّمَا رُدُّواْ إِلَى الفتنة) كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين (أُرْكِسُواْ فِيِهَا) أي: ردوا مغلوبين منكوسين فيها، وهذا استعارة لشدة إصرارهم على الكفر وعداوة المسلمين لأن من وقع في شيء منكوساً يتعذر خروجه منه.