(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي: وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله.
(يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه.
(وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه.
(وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه.
• قال السعدي: وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه، ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة، والمجاهدون في سبيل الله، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة، وكل هذه الأمور من فروض الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله (ولتكن منكم أمة) إلخ أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف هذه الأشياء عليه فهو مأمور به، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل بها نكاية الأعداء وعز الإسلام، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير وسائلها ومقاصدها، وبناء المدارس للإرشاد والعلم، ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال، وغير ذلك مما تتوقف هذه الأمور عليه، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين.
(وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب.
• أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من رأى منكراً فليغيره بيده … ) لكنه فرض كفائي.
قال ابن قدامة: في هذه الآية بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين، لأنه قال (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) ولم يقل: كونوا آمرين بالمعروف.
• قال في التسهيل: وقوله: منكم: دليل على أنه فرض كفاية لأن من للتبعيض، وقيل: إنها لبيان الجنس، وأن المعنى: كونوا أمة. وتغيير المنكر يكون باليد وباللسان وبالقلب، على حسب الأحوال.