(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤)). [سورة البقرة: ١١٤].
(وَمَنْ أَظْلَمُ) أي لا أحد أظلم.
(مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله: منع من يأتي إليها للصلاة، والتلاوة، والذكر، وتعليمه.
قال الشوكاني: هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه، وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم،
أي: لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله.
وقد اختلف المفسرون في المراد في الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها على قولين:
القول الأول: هم النصارى.
قال مجاهد: النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.
وقال قتادة في قوله (وسعى في خرابها) قال: هو بخْتَنصَّر، خرب بيت المقدس وأعانه على ذلك النصارى، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البالي المجوسي على تخريب المقدس.
وقال السدي: كانوا ظاهروا بختنصر على تخريب بيت المقدس، حتى خربه وأمر أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحي بن زكريا.
وروي نحوه عن الحسن البصري، وعلى هذا القول فإن الخراب هنا خراب حسي.
القول الثاني: نزلت في صد المشركين النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ٦ هـ.
واختار ابن جرير القول الأول، واحتج بأن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.
واختار ابن كثير القول الثاني، حيث قال رحمه الله: والذي يظهر والله أعلم القول الثاني.
ثم قال ابن كثير رداً على ابن جرير: … وأيضاً فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذي أخرجوا الرسول وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده في أن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة؛ فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم.
ورجح القرطبي رحمه الله العموم، فقال: وقيل المراد من منع من كل مسجد إلى يوم القيامة، وهو الصحيح، لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجميع، فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف.
قال البيضاوي: قوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله … ) عام لكل من خرب مسجداً، أو سعى في تعطيل مكان مرشح للصلاة، وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله، أو في المشركين لما منعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية.