وقال تعالى (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ).
وقاصرات الطرف: هن اللواتي قصرن بصرهن على أزواجهن، فلم تطمح أنظارهن لغير أزواجهن.
• قال ابن القيم: ووصفهن بأنهن (مقصورات في الخيام) أي: ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن، بل قد قُصِرْن على أزواجهن، لا يخرجن من منازلهم، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم، ووصفهن سبحانه بأنهن (قاصرات الطرف) وهذه الصفة أكمل من الأولى، فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره.
(وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهذا من أعظم تمام النعيم، أن أهل الجنة خالدون فيها أبد الآبدين.
• قال النسفي: الخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع.
• وقال ابن الجوزي: والخلود: البقاء الدائم الذي لا انقطاع له.
• قال ابن عاشور: وقوله (وهم فيها خالدون) احتراس مِن تَوَهُّم الانقطاع بما تعودوا من انقطاع اللذات في الدنيا لأن جميع اللذات في الدنيا معرضة للزوال وذلك ينغصها عند المنعم عليه كما قال أبو طيب:
أشدُّ الغم عندي في سرور … تحقَّقَ عنه صاحبُه انتقالاً.
• قال الرازي: اعلم أن مجامع اللذات إما المسكن أو المطعم أو المنكح فوصف الله تعالى المسكن بقوله (جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار) والمطعم بقوله (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) والمنكح بقوله (وَلَهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ) ثم إن هذه الأشياء إذا حصلت وقارنها خوف الزوال كان التنعم منغصاً فبين تعالى أن هذا الخوف زائل عنهم فقال (وَهُمْ فِيهَا خالدون) فصارت الآية دالة على كمال التنعم والسرر.
• قال الشنقيطي: قوله تعالى (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهذا من أعظم النعيم وبه يتم النعيم، لأن أكبر ما ينكد اللذائذ، وينغص اللذات، أن يعلم صاحبها أنه زائل عنها، وأنها زائلة عنه، فكل نعيم بعده موت فليس بنعيم، والنعيم إذا تيقن صاحبه الانتقال عنه صار غماً.