(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (١٥١)). [سورة البقرة: ١٥١].
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) الكلام متعلق بما سبق في قوله (ولأتم نعمتي) والمعنى: كما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم.
• قال ابن كثير: يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- محمد إليهم.
والمخاطب بذلك هم العرب، قال الطبري: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) فإنه يعني بذلك العرب، قال لهم جل ثناؤه: الزموا أيها العرب طاعتي وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها لتنقطع حجة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجة، ولأتم نعمتي عليكم وتهتدوا كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولاً إليكم منكم، وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد -صلى الله عليه وسلم-. [تفسير الطبري: ٢/ ٤٦].
(يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا) أي: يقرأ عليكم آياتنا، والمراد بالآيات هنا الشرعية، وهي الوحي.
• لأن آيات الله تنقسم إلى قسمين:
الآيات الكونية القدرية. (فهي مما نشاهده مما لا يستطيع البشر أن يخلقوا مثلها).
وهي ما نصبه الله (جل وعلا) ليدل به خلقه على أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة، كالشمس والسماء والأرض ونحوها، وكل ما في الكون من مخلوقات الله شاهد بكمال الله وقدرته وعزته وأنه المستحق للعبادة.
قال تعالى (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي: لعلامات واضحة جازمة قاطعة بأن من خلقها هو رب هذا الكون، وهو المعبود وحده.
الآيات الشرعية الدينية، كآيات هذا القرآن العظيم. (لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله).
ومنه قوله تعالى (رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ) وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ).
وسميت آيات، جمع آية، لأنها علامة على صدق من جاء بها.
(وَيُزَكِّيكُمْ) أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور.