(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ … ) هذا تعنيف من الله تعالى لكَفَرة أهل الكتاب، على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات الله، وصَدِّهم عن سبيله مَنْ أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله، بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين، والسادة المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وما بَشَّروا به ونوَّهُوا، من ذِكْر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأميّ الهاشمي العربي المكّيّ، سيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء، ورسول رب الأرض والسماء، وقد توعدهم الله تعالى على ذلك بأنه شهيد على صَنِيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء، ومقاتلتهم الرسول المُبشر بالتكذيب والجحود والعناد، وأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون، أي: وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مال ولا بنون.
• وقد تقدم معنى الكفر بآيات الله.
• فإن قيل: ولم خص أهل الكتاب بالذكر دون سائر الكفار؟.
قلنا لوجهين:
الأول: أنا بينا أنه تعالى أورد الدليل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوّة محمد -عليه السلام-، ثم أجاب عن شبههم في ذلك، ثم لما تمّ ذلك خاطبهم فقال (يا أَهْل الكتاب) فهذا الترتيب الصحيح.
الثاني: أن معرفتهم بآيات الله أقوى لتقدم اعترافهم بالتوحيد وأصل النبوّة، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة بصدق الرسول والبشارة بنبوته.
• قال البيضاوي: قوله تعالى (قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءامَنَ) كرر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم، وإشعاراً بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العذاب.
• قال الرازي: قال المفسرون: وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من المسلمين وكانوا ينكرون كون صفته -صلى الله عليه وسلم- في كتابهم.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وأنتم شهداء) ومعناه وأنتم عالمون أنّها سبيل الله، وقد أحالهم في هذا الكلام على ما في ضمائرهم مِمَّا لا يعلمه إلاّ الله، لأنّ ذلك هو المقصود من وخز قلوبهم، وانثنائهم باللائمة على أنفسهم، ولذلك عقّبه بقوله (وما الله بغافل عما تعملون) وهو وعيد وتهديد وتذكير لأنَّهم يعلمون أنّ الله يعلم ما تخفي الصدور، وهو بمعنى قوله في موعظتهم السابقة (والله شهيد على ما تعملون) إلاّ أنّ هذا أغلظ في التَّوبيخ لما فيه من إبطال اعتقاد غفلته سبحانه، لأنّ حالهم كانت بمنزلة حال من يعتقد ذلك.