القول الثاني: أن المراد بالباغي: الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال، والعادي الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه.
ورجح هذا التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: وأما الآية فأكثر المفسرين قالوا: المراد بالباغي الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال، والعادي الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه، وهذا التفسير هو الصواب، وهو قول أكثر السلف … وليس في الشرع ما يدل على أن العاصي بسفره لا يأكل الميتة ولا يقصر، بل نصوص الكتاب والسنة عامة مطلقة.
ورجح هذا القول القرطبي والإمام ابن جرير.
ثالثاً: بيان حكم تناول الطعام المحرم في حال الضرورة.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يجب على المضطر الأكل من الميتة ونحوها.
وهذا قول الحنفية والصحيح من مذهب المالكية وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة، وأصح الوجهين عند الشافعية.
لقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).
ولقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وترك الأكل مع إمكانه في هذه الحال؛ إلقاء بيده إلى التهلكة، ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحل الله له فلزمه، كما لو كان معه طعام حلال.
القول الثاني: أنه لا يلزمه في هذه الحال الأكل من المحرم.
لأن له غرضاً في تركه وهو أن يتجنب ما حرم عليه، ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص.
والراجح القول الأول أنه يجب عليه أن يأكل في هذه الحال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قال: ويجب على المضطر أن يأكل ويشرب ما يقيم به نفسه، فمن اضطر إلى الميتة أو الماء النجس فلم يشرب ولم يأكل حتى مات دخل النار.
رابعاً: بيان مقدار ما يباح للمضطر تناوله من المحرم.
يباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه الموت بالإجماع، ويحرم ما زاد على الشبع بالإجماع.
واختُلف في حكم الشبع على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يباح له الشبع.
وهو قول أبي حنيفة وأحد الروايتين عن أحمد وأحد القولين للشافعي.
وهو قول ابن الماجشون من المالكية.
قالوا: لأن الآية دلت على تحريم ما ذكر فيها، واستثنى ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحال الابتداء.
ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية، يحققه أن حاله بعد سد رمقه كحاله قبل أن يضطر وثم لم يبح له الأكل كذا هاهنا.
القول الثاني: أن له الشبع.
وهذا قول مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي.