للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)). [سورة البقرة: ١٨٩].

(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) قيل في سبب نزولها: أن الناس سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كون الهلال يبدو ضعيفاً ثم يأخذ في الزيادة حتى يتم، ثم يأخذ في النقص، فأجيبوا عن الحكمة في ذلك، لأنها الأهم، وهي التي يحتاجون لبيانها.

(الْأَهِلَّةِ) جمع هلال، وهو اسم للقمر أول ما يبدو دقيقاً، وإنما سمي الهلال هلالاً، لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته، يقال: استهل الصبي إذا صاح بالبكاء.

[سؤال: لم جمع الأهلة؟]

الجواب: جمع الأهلة إما لتعددها بتعدد الأشهر أو لاختلاف أحواله وإن كان واحداً فهو كالمتعدد.

(قُلْ) الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

(هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) أي جعلها الله بلطفه ورحمته على هذا التدبير - يبدو الهلال ضعيفاً، ثم يشرع في النقص إلى كماله، وهكذا - ليعرف الناس بذلك مواقيت عباداتهم من الصيام وأوقات الزكاة والكفارات وأوقات الحج، وكذلك تعرف أوقات الديون المؤجلات، ومدة الإجارات، ومدة التعدد والحمل، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق.

وخص الحج بالذكر لكثرة أشهره، ولأن هذه الآيات توطئة وتمهيد لذكر أشهر الحج وأحكامه.

وقال ابن عاشور: وعطف الحج على الناس مع اعتبار المضاف المحذوف من عطف الخاص على العام للاهتمام به واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقّت لجاء الناس للحج متخالفين فلم يحصل المقصود من اجتماعهم، ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم وحلولهم بمكة وأسواقها.

(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) روى البخاري عن البراء قال (كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها، فأنزل الله: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا).

فالأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها تعبداً بذلك وظناً أنه بر، فأخبر تعالى أنه ليس من البر، لأن الله تعالى لم

يشرعه لهم، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم، ثم بين تعالى أن البر من اتقى الله فخافه وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها، فأما إتيان البيوت من ظهورها فلا بر لله فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>