(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) أي: من ذا الذي يقرض الله بالإنفاق في سبيله في وجوه البر كلها، من الزكوات والصدقات، والإنفاق على الأهل والأولاد، وعلى المحتاجين من الأقارب واليتامى والمساكين وغيرهم.
• قال ابن كثبر: فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا .. ) اعتراض بين جملة (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) إلى آخرها، وجملة (ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل) الآية، قصد به الاستطراد للحث على الإنفاق لوجه الله في طرق البر، لمناسبة الحث على القتال، فإن القتال يستدعي إنفاق المقاتل على نفسه في العُدَّة والمَؤُونة مع الحث على إنفاق الواجد فضلاً في سبيل الله بإعطاء العُدَّة لمن لا عُدَّة له، والإنفاق على المعسرين من الجيش، وفيها تبيين لمضمون جملة (واعلموا أن الله سميع عليم) فكانت ذات ثلاثة أغراض.
• قال أبو حيان: ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل الله، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين الله، أثنى على من بذل شيئاً من ماله في طاعة الله، وكان هذا أقل حرجاً على المؤمنين، إذ ليس فيه إلاَّ بذل المال دون النفس، فأتى بهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة معنى الطلب.
• قال القرطبي: وسمّي قرضاً؛ لأن القرض أخْرج لاسترداد البدل، أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدِله الله بالأضعافِ الكثيرة.
• وقال بعض العلماء: وسمي الإنفاق قرضاً حسناً لله تعالى، مع أن المال ماله، والملك ملكه، والخلق عبيده، حثاً وترغيباً فيه.
• قال ابن القيم: سمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً، حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض مليّ وفيّ محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض، وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه