• قال الرازي: قوله تعالى (وأن تعفو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وإنما كان لذلك لوجهين:
الأول: أن من سمح بترك حقه فهو محسن، ومن كان محسناً فقد استحق الثواب، ومن استحق الثواب نفى بذلك الثواب ما هو دونه من العقاب وأزاله.
والثاني: أن هذا الصنع يدعوه إلى ترك الظلم الذي هو التقوى في الحقيقة، لأن من سمح بحقه وهو له معرض تقرباً إلى ربه كان أبعد من أن يظلم غيره يأخذ ما ليس له بحق.
• قال السعدي: رغب الله في العفو، وأن من عفا، كان أقرب لتقواه، لكونه إحساناً موجبا لشرح الصدر، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة، لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب، وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصاً لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وما ازداد عبد بعفو إلا عزاً). رواه مسلم
(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أي: لا تتركوا الفضل والإحسان والتسامح بينكم وتهملوه وتغفلوا عنه.
• قال ابن عاشور: ففي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب، وذلك سبيل واضحة إلى الاتحاد والمؤاخاة والانتفاع بهذا الوصف عند حلول التجربة.
والنسيان هنا مستعار للإهمال وقلة الاعتناء كما في قوله تعالى (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) وهو كثير في القرآن، وفي كلمة (بينكم) إشارة إلى هذا العفو.