• قال السعدي: لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون الصلاة، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة، فإقام الصلاة، إقامتها ظاهراً بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطناً بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها.
• لم يأمر الله بالصلاة إلا بلفظ الإقامة، كقوله تعالى (وأقيموا الصلاة) وقوله تعالى (والمقيمين الصلاة).
إقامة الصلاة ليس مجرد أداؤها، وإنما المراد إقامتها بإدائها بتدبر وحضور قلب وخشوع، وهذه هي الصلاة التي قال الله عنها (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فإن الله في هذه الآية علق حكم نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر بشرط إقامتها وليس فقط أداؤها (والحكم المعلق بوصف يزيد بزيادته وينقص بنقصه) فعلى قدر إقامة العبد لصلاته على قدر ما تؤثر فيه فتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وبهذا يزول الإشكال الذي يورده البعض: وهو أن كثير من المصلين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر.
• قوله تعالى (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يشمل صلاة الفرض والنفل.
• قوله تعالى (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) فيه دليل على أهمية الصلاة وعظيم منزلتها وأنها من أعظم صفات المتقين، ومما يدل على عظيم منزلتها:
أنها فرضت في أعلى مكان (في السماء ليلة الإسراء والمعراج).
وفرضت خمس صلوات في اليوم والليلة، وأول ما فرضت خمسين ثم خففت إلى خمس في العدد، وهذا يدل على محبة الله لها، وعنايته بها سبحانه.
أن تاركها كافر يحشر مع فرعون وقارون وأبي بن خلف، وأعظم العبادات بعد الشهادتين، وهي عمود الدين.
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أي ومما أعطيناهم من المال يخرجون.
• اختلف في المراد بالنفقة هنا: فقيل: الزكاة المفروضة، وقيل: صدقة التطوع، والصحيح أنها عامة في كل أنواع الإنفاق، ورجح هذا القول ابن جرير الطبري والقرطبي والسعدي.
• قال السعدي: يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك، والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير.
• قوله تعالى (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أي ينفقون بعض مالهم لا كله.
• قال السعدي: وأتى بـ[من] الدالة على التبعيض، لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءاً يسيراً من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم.
• ولم يبين الله القدر الذي ينبغي إنفاقه، وقد بين ذلك في قوله تعالى (وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ) صلة ثالثة في وصف المتقين مما يحقق معنى التقوى وصدق الإيمان من بذل عزيز على النفس في مرضاة الله؛ لأن الإيمان لما كان مقره القلب ومترجمه اللسان كان محتاجاً إلى دلائل صدق صاحبه وهي
عظائم الأعمال، من ذلك التزام آثاره في الغيبة الدالة عليه (الذين يؤمنون بالغيب) ومن ذلك ملازمة فعل الصلوات لأنها دليل على تذكر المؤمن من آمن به، ومن ذلك السخاء ببذل المال للفقراء امتثالاً لأمر الله بذلك.