(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (٣٠)). [آل عمران: ٣٠].
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر.
كما قال تعالى (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) فما رأى من أعماله حسناً سره ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه.
وقال تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
• قال الرازي: اعلم أن العمل لا يبقى، ولا يمكن وجدانه يوم القيامة، فلا بد فيه من التأويل وهو من وجهين:
الأول: أنه يجد صحائف الأعمال، وهو قوله تعالى (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وقال (فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أحصاه الله وَنَسُوهُ).
الثاني: أنه يجد جزاء الأعمال وقوله تعالى (مُّحْضَرًا) يحتمل أن يكون المراد أن تلك الصحائف تكون محضرة يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المعنى: أن جزاء العمل يكون محضراً، كقوله (وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا).
وعلى كلا الوجهين، فالترغيب والترهيب حاصلان.
(تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) وود لو أنه تبرأ منه، وأن يكون بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان مقترنًا به في الدنيا، وهو الذي جرَّأه على فعل السوء (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) أي: يخوفكم عقابه.
ثم قال مرجيًا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه.