الوجه الثاني: أنّ الانتقام له موضع يحسن فيه، والعفو له موضع كذلك.
وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله، ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته مثلاً إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور، تنتهك به حرمات الله، فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب، وعليه يحمل الأمر (فَاعْتَدُوا) الآية، أي كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب، بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح، ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ) بفعل أوامره واجتناب نواهيه، أي: اتقوا الله إذا انتصرتم ممن ظلمكم فلا تظلموهم بأخذ أكثر من حقكم ولا تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم.
• قال ابن عاشور: أمر بالاتقاء في الاعتداء أي بألا يتجاوز الحد، لأن شأن المنتقم أن يكون عن غضب فهو مظنة الإفراط.
• قال السعدي: ولما كانت النفوس - في الغالب - لا تقف على حدها إذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها.