(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢)). [آل عمران: ٨١ - ٨٢].
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) أي: واذكر يا محمد لمن أرسلناك إليهم، اذكر هذا العهد والميثاق.
وسمي الميثاق عهداً، لأن كلاً من المتعاهدين يتوثق به مع الآخر.
(لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) أي: للذي أعطيتكم من الكتاب والحكمة.
وقال بعض العلماء: إن (لما) بمعنى مهما، والمراد مهما أوتيتم من كتاب وحكمة.
(ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ) أي: ثم جاءكم رسول من عندي بكتاب مصدق لما بين أيديكم وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-.
(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) هذا محل الميثاق، أي: تؤمنوا به وتصدقوه.
(وَلَتَنْصُرُنَّهُ) أي: تعينونه على نشر رسالته، وعلى قتال أعدائه.
• قال ابن الجوزي: وفي الذي أخذ ميثاقهم عليه قولان:
أحدهما: أنه تصديق محمد -صلى الله عليه وسلم-، روي عن علي، وابن عباس، وقتادة، والسدي.
والثاني: أنه أخذ ميثاق الأول من الأنبياء ليؤمننَّ بما جاء به الآخر منهم، قاله طاووس.
• وقال ابن كثير: يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم، عليه السلام، إلى عيسى -عليه السلام-، لَمَهْمَا آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة، وبلغ أيّ مبلَغ، ثم جاءه رسول من بعده، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته؛ ولهذا قال تعالى وتقدس (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) أي: لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة.
• قيل: ما بعث الله نبيًّا إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمدٌ وهو حيٌ ليؤمنن به، ولينصرنه، وأمر الله النبي أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث فيهم محمداً -عليه السلام- وهو حيٌ وهم أحياء ليؤمنن به، ولينصرنه.
وهذا رفعةٌ وعظمةٌ بين الأنبياء وتعريفٌ وتشريفٌ بين البشرية جمعاء .. إذ هذه مكانة عظيمة، والله جل وعلا يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لن يكون إلا في آخر الزمان، وأنه خاتم الأنبياء .. فإذا جعل الميثاق على كل نبيٍّ بعث أنه يُقرّ ويؤخذ عليه الميثاق إن بُعث محمد وهو حيٌّ، أو بعث في أمته بعد وفاته أن يأخذ العهد والميثاق على الإيمان بمحمدِ -صلى الله عليه وسلم- وعلى نصرته وأتباعه؟
وقيل: أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً ويأمر بعضهم بالإيمان بعضاً، فذلك معنى النصرة بالتصديق. وهذا قول
سعيد بن جبير و قتادة و طاوس و السدي و الحسن، وهو ظاهر الآية،
• قال ابن الجوزي: قال بعض أهل العلم: إنما أخذ الميثاق على النبيين، وأممهم، فاكتفى بذكر الأنبياء عن ذكر الأمم، لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التابع، وهذا معنى قول ابن عباس، والزجاج.