(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (٥١) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢)) [النساء: ٥١ - ٥٢].
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ) الاستفهام للتعجب والمراد بهم أيضاً اليهود أعْطوا حظاً من التوراة.
• قال ابن عاشور: أعيد التعجيب من اليهود، الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، بما هو أعجب من حالهم التي مرّ ذكرها في قوله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة) فإنّ إيمانهم بالجبت والطاغوت وتصويبهم للمشركين تباعد منهم عن أصول شرعهم بمراحل شاسعة، لأنّ أوّل قواعد التوراة وأولى كلماتها العشر هي (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحُوتاً، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ).
(يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) أي: يعتقدون صدقهما. (ابن تيمية).
وقد اختلف العلماء في معناهما:
قال عمر بن الخطاب: الجبت: هو السحر، وقيل: الشيطان، وقيل: الصنم، والصحيح أنه عام لكل صنم أو سحر أو كهانة أو ما أشبه ذلك.
وَالطَّاغُوتِ: قيل هو الشيطان، والصحيح أنه ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
واختار ابن جرير اسمان لكل ما يعبد ويعظم من دون الله تعالى.
فقال رحمه الله: والصواب من القول في تأويل يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ أن يقال: يصدقون بمعبودين من دون اللّه، ويتخذونهما إلهين، وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون اللّه أو طاعة أو خضوع له، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان.
• قال في التسهيل: (يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت) قال ابن عباس: الجبت هو حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف، وقال عمر بن الخطاب: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان، وقيل الجبت الكاهن، والطاغوت الساحر، وبالجملة هما كل ما عبد وأطيع من دون الله
(وَيَقُولُونَ) أي: اليهود.
(لِلَّذِينَ كَفَرُوا) من كفار قريش.
(هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) أي: أنتم أهدى سبيلاً من محمد وأصحابه.
• قال ابن كثير: يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم.
عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية! قال: أنتم خير، قال فنزلت (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) ونزل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) إلى (نَصِيرًا) رواه أحمد.
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي: الذين طردهم وأبعدهم من رحمته.
(وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي: ومن يطرده الله من رحمته فلا ناصر له من عذاب الله، لأن الله إذا أراد بقوم سوءاً فلا مرد له.
[الفوائد]
١ - التعجب من حال هؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، ومع ذلك ينكرون ما دل عليه الكتاب.
٢ - بيان قبح صنيعهم.
٣ - بيان حقد اليهود على المؤمنين.
٤ - الإشارة إلى أن السحر متلقى من اليهود.
٥ - أن اليهود أهل حسد.
٦ - اللعنة على اليهود.
٧ - أن من لعنه الله فلا ناصر له.
٨ - التحذير من التعرض للعنة الله.