(فَمَنِ اضْطُرَّ) أي: ألجأته الضرورة إلى الأكل من المحرمات.
لكن بشرط:
(غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ) لا يكون باغياً ولا عادياً [وسيأتي المراد بهما]
(فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي: فلا عقوبة عليه في الأكل.
• في هذه الآية جواز الأكل من الميتة عند الضرورة، وهنا مباحث:
أولاً: تعريف الضرورة لغة وشرعاً:
قال ابن منظور: الاضطرار الاحتياج إلى الشيء وقد اضطره إليه أمر.
وشرعاً: للضرورة تعاريف متقاربة في المعنى عند الفقهاء، ومن ذلك ما يأتي:
قيل: إنها بلوغه حداً إن لم يتناول الممنوع هلك إذا قارب وهذا يبيح تناول الحرام.
وقيل: ومعنى الضرورة هاهنا خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل، والمعنى متقارب.
ثانياً: بيان حد الاضطرار الذي يبيح تناول المحرم:
حد الاضطرار هنا يتبين من مجموع الآيات الواردة في الموضوع، وهي:
قوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
فأطلق في هذه الآية الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت الضرورة فيها.
قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ).
فقيد الإباحة في هذه الآية بأن يكون المضطر غير باغ ولا عاد لكنه لم يبين سبب الاضطرار ولم يبين المراد بالباغي والعادي.
قوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فبين سبحانه سبب الاضطرار وهو المخمصة.
وإذاً: يمكننا أن نقول: إن حد الاضطرار المبيح لتناول المحرم هو أن يخاف على نفسه التلف بسبب الجوع ولم يجد ما يتغذى به من الحلال، بشرط أن يكون غير متجانف لإثم، وهو الباغي والعادي.
• وقد اختلف العلماء في المراد بالباغي والعادي على قولين:
القول الأول: أن المراد بالباغي هو الخروج على إمام المسلمين، والإثم الذي يتجانف إليه العادي هو إخافة الطريق وقطعها على المسلمين، ويلحق بذلك كل سفر معصية لله، لأن في ذلك إباحة على المعصية وذلك لا يجوز.
فعلى هذا القول: الباغي: الخارج على الإمام، والعادي: قاطع الطريق، وكل مسافر سفر معصية.