فلما أعاد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- عرف أن هذا كلام جامع، وهو كذلك؛ فإن قوله:«لا تغضب» يتضمن أمرين عظيمين:
أحدهما: الأمر بفعل الأسباب والتمرن على حسن الخلق والحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق، من الأذى القولي والفعلي؛ فإذا وفق لها العبد، وورد عليه وارد الغضب، احتمله بحسن خلقه، وتلقَّاه بحلمه وصبره، ومعرفته بحسن عواقبه؛ فإن الأمر بالشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به، والنهي عن الشيء أمر بضده، وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه، وهذا منه.
الثاني: الأمر بعد الغضب أن لا ينفذ غضبه: فإن الغضب غالباً لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه.
ثامناً: أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (ليس الشديد بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) متفق عليه.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «أي مالك نفسه أوْلى أن يسمى شديداً من الذي يصرع الرجال.
وقال ابن تيمية: ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح؛ فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد.
وعن أنس -رضي الله عنه- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بقوم يصطرعون فقال:«ما هذا»؟ فقالوا: يا رسول الله! فلان ما يصارع أحداً إلا صرعه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفلا أدلكم على مَن هو أشد منه: رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه).