(وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (٧٢) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧٣)). [النساء: ٧٢ - ٧٣].
(وَإِنَّ مِنْكُمْ) (من) للتبعيض، والمراد بهم المنافقون، جعلوا من المؤمنين باعتبار زعمهم وباعتبار الظاهر
• قال البغوي: وإنما قال (مِنْكُم) لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسبِ وإظهارِ الإسلام، لا في حقيقة الإيمان
• قال ابن عاشور: قوله (وإنَّ مِنكم لمن ليبطّئنّ) أي: من جماعتكم وعدادكم، والخبر الوارد فيهم ظاهر منه أنَّهم ليسوا بمؤمنين في خلوتهم، لأنّ المؤمن إن أبطأ عن الجهاد لا يقول (قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً)، فهؤلاء منافقون، وقد أخبر الله عنهم بمثل هذا صراحة في آخر هذه السورة بقوله (بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً) إلى قوله (الذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين).
وقيل: أريد بهم ضعفة المؤمنين يتثاقلون عن الخروج إلى أن يتّضح أمر النصر، قال الرازي: وهذا اختيار جماعة من المفسرين.
وقيل: المراد بقوله (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) بعض المؤمنين؛ لأن الله خاطبهم بقوله (وَإِنَّ مِنْكُمْ) وقد فرَق الله تعالى بين المؤمنين والمنافقين بقوله (وَمَا هُم مِّنكُمْ) وهذا يأباه مسَاق الكلام وظاهره.
وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب كما بيّنا لا من جهة الإيمان، هذا قول الجمهور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، ويدلّ عليه قوله (فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ) أي قَتْلٌ وهزيمة (قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ) يعني بالقعود، وهذا لا يصدر إلا من منافق؛ لا سيّما في ذلك الزمان الكريم، بعيد أن يقوله مؤمن.
(لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) أي: ليتخلفن عن الجهاد.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون المراد أنه يتبأطأ هو بنفسه، ويبطئ غيره عن الجهاد، كما كان عبد الله بن أبيّ بن سلول - قبحه الله - يفعل، يتأخر عن الجهاد، ويثبّط الناس عن الخروج فيه.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) يعني المنافقين، والتّبطِئة والإبطاء التأخّر، تقول: ما أبطأك عنا؛ فهو لازم، ويجوز بطأت فلاناً عن كذا أي أخرته؛ فهو متعد، والمعنيان مراد في الآية، فكانوا يقعدون عن الخروج ويُقعِدون غيرهم، والمعنى إن من دخلائكم وجنسكم وممن أظهر إيمانه لكم، فالمنافقون في ظاهر الحال من أعداد المسلمين بإجراء أحكام المسلمين عليهم.
• قال ابن تيمية: الإعراض عن الجهاد، فإنه من خصال المنافقين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات ولم يغزُ ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق "رواه مسلم. وقد أنزل الله " سورة براءة " التي تسمى الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين.