للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)). [النساء: ١٧ - ١٨].

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) أي: إنما التوبة التي كتب الله على نفسه قبولها.

(لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ) أي: للذين يعملون العمل السيئ القبيح، الذي يسوء صاحبه، والسيئات: تكون بارتكاب المنكرات أو بترك الواجبات.

• سميت سيئة لأنها تسوء صاحبها في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا بظهور آثارها عليه من الهمّ والضيق في الصدر والخلق والرزق، فيفقد من السعادة في الحياة بقدر ما عمل من السوء، قال تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) وقال تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). وتسوؤه آجلاً بعد موته لمعاقبته عليها إن لم يتب منها أو يتداركه الله بعفوه.

(بِجَهَالَةٍ) أي: بسفاهة، ولهذا أجمع الصحابة على أن كل ذنب عصيَ الله به فهو جهالة عمداً كان أو جهلاً.

• وليس المراد بالجهالة هنا الجهالة التي هي ضد العلم، لأن من يعلم السوء وهو جاهل غير عالم لا يؤاخذ ولا ذنب عليه بل هو معذور.

قال الرازي: قال المفسرون: كل من عصى الله سمي جاهلا وسمي فعله جهالة، قال تعالى إخباراً عن يوسف -عليه السلام- (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مّنَ الجاهلين) وقال حكاية عن يوسف -عليه السلام- أنه قال لإخوته (هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جاهلون) وقال تعالى (يا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين) وقال تعالى (إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين) وقد يقول السيد لعبده حال ما يذمه على فعل: يا جاهل لم فعلت كذا وكذا، والسبب في إطلاق اسم الجاهل على العاصي لربه أنه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما أقدم على المعصية، فلما لم يستعمل ذلك العلم صار كأنه لا علم له، فعلى هذا الطريق سمي العاصي لربه جاهلاً، وعلى هذا الوجه يدخل فيه المعصية سواء أتى بها الإنسان مع العلم بكونها معصية أو مع الجهل بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>