• قال الشنقيطى: قوله تعالى (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب) لم يبين هنا شيئاً من أمانيهم، ولا من أماني أهل الكتاب، ولكنه أشار إلى بعض ذلك في مواضع أخر كقوله في أماني العرب الكاذبة (وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) وقوله عنهم (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ونحو ذلك من الآيات، وقوله في أماني أهل الكتاب (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) الآية. وقوله (وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ) الآية. ونحو ذلك من الآيات.
وما ذكره بعض العلماء من أن سبب نزول الآية أن المسلمين وأهل الكتاب تفاخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النَّبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) الآية. لا ينافي ما ذكرنا. لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قيل: المراد كل من عمل سوءاً صغيراً أو كبيراً من مؤمن أو كافر، فمن يعمل السوء والشر يناله عقابه عاجلاً أو آجلاً.
كما قال تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ).
قال القرطبي: السوء هاهنا الشرك، قال الحسن: هذه الآية في الكافر، وقرأ (وَهَلْ يُجَازَى إلاَّ الْكَفُورُ).
وقال الضحاك: يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب.
وقال الجمهور: لفظ الآية عام، والكافر والمؤمن مجاز بعمله السوء، فأما مجازاة الكافر فالنار؛ لأن كفره أوْبَقَه، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: " لما نزلت (مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ) بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قارِبوا وسَدِّدوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة يُنْكبها والشوكة يشاكها).
(وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) تقدم شرح الولي والنصير.
• قال السعدي: وقوله (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) لإزالة بعض ما لعله يتوهم أن من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي أو ناصر أو شافع يدفع عنه ما استحقه، فأخبر تعالى بانتفاء ذلك، فليس له ولي يحصل له المطلوب، ولا نصير يدفع عنه المرهوب، إلا ربه ومليكه.
[الفوائد]
١ - أن التمني لا يجدي شيئاً.
٢ - التهديد لمن عمل سوءاً.
٣ - كمال قوة الله وسلطانه.
٤ - أن المصائب في الدنيا كفارات.