ولهذا أخبر تعالى عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد:
(فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) أي: قتل وشهادة وغلب العدو لكم، لما لله في ذلك الحكمة.
(قال) ذلك المتخلف.
(قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي: قد تفضل الله عليّ إذ لم أشهد الحرب معهم فأُقتل ضمن من قتلوا.
• قال ابن كثير: يعد ذلك من نعم الله عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر، أو الشهادة إذا قتل.
• قال السعدي: رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة، ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى الإيمان، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له فيها عظيم الثواب، ورضا الكريم الوهاب، وأما القعود فإنه وإن استراح قليلاً، فإنه يعقبه تعب طويل وآلام عظيمة، ويفوته ما يحصل للمجاهدين.
• قال تعالى عن قوم مؤمنين (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُون) فهؤلاء بكوا لأنهم لم يقدروا عن الجهاد.
(وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ) أي: نصر وظفر وغنيمة.
(لَيَقُولَنَّ) هذا المتخلف.
(كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي: كأنه ليس من أهل دينكم.
(يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي: بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه، وهو أكبر قصده وغاية مراده
[الفوائد]
١ - أن التكاسل عن الخير والتباطؤ فيه من أسباب النفاق.
قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً)
وقال تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) متفق عليه.
٢ - ذم النفاق.
٣ - أن المنافق لا يؤمن بوعد الله ولقائه، ولذلك يتحسر على فوات الدنيا، ويفرح بقدوم الدنيا عليه.