ومن الناس من يميل إلى الفقير رقّة له، فيحسبه مظلوماً، أو يحسب أنّ القضاء له بمال الغنيّ لا يضرّ الغنيّ شيئاً؛ فنهاهم الله عن هذه التأثيرات بكلمة جامعة وهي قوله (إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما).
• قال السعدي: والقيام بالقسط من أعظم الأمور وأدل على دين القائم به، وورعه ومقامه في الإسلام، فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يجعله نُصْب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن إرادة القسط أو العمل به.
وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى، ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانع بقوله:
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) أي: فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغْضَة الناس إليكم، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) أي: كراهة أن تعدلوا.
• قال ابن عاشور: فجعل الميل نحو الموالي والأقارب من الهوى، والنظر إلى الفقر والغنى من الهوى.
• وقال القرطبي: قوله تعالى (فَلَا تَتَّبِعُواْ الهوى) نهي، فإن اتباع الهوى مُرْدٍ، أي مهلك؛ قال الله تعالى (فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلَا تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله) فاتباع الهوى يحمل على الشهادة بغير الحق، وعلى الجور في الحكم، إلى غير ذلك.
• وقال الشعبيّ: أخذ الله عزّ وجل على الحكام ثلاثة أشياء: ألاّ يتّبعوا الهوى، وألاّ يخشَوا الناسَ ويخشوه، وألاّ يشتروا بآياته ثمناً قليلاً.
(وَإِنْ تَلْوُوا) أي: تحرفوا الشهادة وتغيروها، و (اللي) هو التحريف وتعمد الكذب.
(أَوْ تُعْرِضُوا) الإعراض هو كتمان الشهادة وتركها، قال الله تعالى (ولا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وعيد شديد، أي: وسيجازيكم بذلك.
• قال السعدي: أي: محيط بما فعلتم، يعلم أعمالكم خفيها وجليها، وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي أو يعرض، ومن باب أولى وأحرى الذي يحكم بالباطل أو يشهد بالزور، لأنه أعظم جرماً، لأن الأولين تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل.
[الفوائد]
١ - وجوب إقامة الشهادة.
٢ - وجوب العدل فيها.
٣ - وجوب العدل في الشهادة.
٤ - الإشارة إلى الإخلاص في أداء الشهادة.
٥ - وجوب الإقرار على من عليه الحق.
٦ - تحريم المحاباة للوالدين أو الأقربين.
٧ - خطر الهدى وتحريمه.
٨ - تهديد من خالف أمر الله وظلم.
(الأحد: ٨/ ٧/ ١٤٣٤ هـ).