• قوله تعالى (إن الذين كفروا) الكفر لغة الستر والتغطية، ويسمى الليل (كافراً) لأنه يغطي كل شيء، وكل شيء غطى شيء فقد كفره، والكافر الزارع لأنه يغطي البذر بالتراب، وشرعاً: ضد الإيمان، فهو عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب.
• قوله تعالى (أَأَنْذَرْتَهُمْ) الإنذار: هو الإعلام المقرون بالتخويف.
• قوله تعالى (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فيه دليل على أنه ينبغي إنذار الكفار وتحذيرهم من غضب الله إن لم يؤمنوا، وننذرهم لأمور:
أولاً: لأن الله أمر بذلك.
فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).
وقال تعالى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى).
ثانياً: ننذرهم رجاء انتفاعهم.
كما قال الواعظون من بني إسرائيل (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
ثالثاً: تبرئة الذمة وقياماً بالواجب.
كما في الآية السابقة (معذرة إلى ربكم) أي قال الناهون: إنما نعظكم لنعذر عند الله بقيامنا بواجب النصح والتذكير.
• قال الرازي: الإنذار هو التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي، وإنما ذكر الإنذار دون البشارة لأن تأثير الإنذار في الفعل والترك أقوى من تأثير البشارة؛ لأن اشتغال الإنسان بدفع الضرر أشد من اشتغاله بجلب المنفعة، وهذا الموضع موضع
المبالغة وكان ذكر الإنذار أولى.
• قال القاسمي: سؤال: فإن قيل: لم اقتصر على الإنذار ولم يذكر البشارة في قوله تعالى (أأنذرتهم أم لم تنذرهم)؟
الجواب: لأنهم ليسوا أهلاً للبشارة ولأن الإنذار أوقع في القلوب ومن لم يتأثر به فلأن لا يرفع البشارة رأساً.
(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) الختم: الاستيثاق منه حتى لا يصل إليه خير ولا يخرج منه شر، فالمعنى: أن الله ختم على قلوب هؤلاء وطبع عليها، بحيث لا يخرج منها شر ولا يدخل إليها خير، كالقارورة إذا ختمتها وطبعت عليها، لا يخرج شيء مما فيها، ولا يصب إليها شيء آخر.
والمعنى: ذكر الله تعالى المانع لهؤلاء عن الإيمان وهو أن الله ختم وطبع على قلوبهم وعلى سمعهم بطابع لا يدخلها الإيمان ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يفيدهم وعلى أبصارهم غشاء وغطاء تمنعها من النظر إلى الذي ينفعهم، وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعدما تبين لهم الحق.