للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: الختم يكون محسوساً كما بينا، ومعنىً كما في هذه الآية.

فالختم على القلوب: عدم الوعي عن الحق سبحانه مفهوم مخاطباته والفكر في آياته، وعلى السمع: عدم فهمهم للقرآن إذا تلي عليهم أو دعُوا إلى وحدانيته، وعلى الأبصار: عدم هدايتها للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته؛ هذا معنى قول ابن عباس وابن مسعود وقتادة وغيرهم.

• وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى (خَتَمَ الله) بيَّن سبحانه في هذه الآية المانع لهم من الإيمان بقوله (ختم الله).

والختم مصدر ختمت الشيء ختماً فهو مختوم ومختّم؛ شدّد للمبالغة، ومعناه التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء؛ ومنه: ختم الكتاب والباب وما يشبه ذلك، حتى لا يوصل إلى ما فيه، ولا يوضع فيه غير ما فيه.

• قال ابن عاشور: قوله تعالى (خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أبصارهم غشاوة) هذه الجملة جارية مجرى التعليل للحكم السابق في قوله تعالى (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وبيان لسببه في الواقع ليدفع بذلك تعجب المتعجبين من استواء الإنذار وعدمه عندهم ومن عدم نفوذ الإيمان إلى نفوسهم مع وضوح دلائله، فإذا عَلم أن على قلوبهم ختماً وعلى أسماعهم وأن على أبصارهم غشاوة عَلِمَ سبب ذلك كله وبطل العجب.

• الختم يكون على القلب والسمع، والغشاوة على الأبصار، كما قال تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة). والغشاوة: الغطاء على العين يمنعها من الرؤية.

• فإن قيل لم خص القلب بالختم دون سائر الجوارح؟ فالجواب: لأنه محل الفهم والعلم.

• فإن قيل لم خص الله هذه الأعضاء بالذكر؟ فالجواب: قيل إنها طرق العلم، فالقلب محل العلم وطريقه السماع أو الرؤية.

• فإن قال قائل: إن الله بيّن أنه ختم على قلب هؤلاء وعلى سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة، فكيف يعاقبهم الله وقد جعل فيهم هذه الأمور المانعة من الإيمان؟

الجواب: إن القرآن بيّن أن هذا الطبع وهذا الختم لا يأتي الإنسان إلا بسبب ذنب من ذنوبه، فهو جزاء وفاق على بعض الذنوب، وقد دلت آيات كثيرة على أن الله عز وجل يسبب للإنسان الضلالة بسبب ارتكاب الذنوب كما يسبب له الهدى بسبب الطاعات، قال تعالى (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) (الباء) في قوله (بِكُفْرِهِمْ) سببية، فبيّن أن هذا الطبع بسبب كفرهم، وكقوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) وكقوله (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) وكقوله تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً).

<<  <  ج: ص:  >  >>