للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)) [النساء: ١١٣].

(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) لولا: حرف امتناع لوجود، فامتنع همهم أن يضلوه لوجود فضل الله، والفضل: في الأصل هو الزيادة في العطاء، والرحمة: أعم من الفضل، فبسببها يكون الفضل، وهو حصول المطلوب وزوال المرهوب.

والمعنى: ولولا فضل الله عليك ورحمته بأن أراك وجه الصواب في هذه القصة.

(لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) أي: أضمرت وقصدت فرقة منهم - وهم قوم السارق الذين أرادوا تبرئة صاحبهم من السرقة وإلصاقها بغيره - بإضلالك ويبعدونك عن إصابة الحق في الحكم في هذه القضية.

• قال القرطبي (لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) عن الحق؛ لأنهم سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبرئ ابن أُبَيرِق من التُّهمَة ويُلحقها اليهوديَّ، فتفضل الله عز وجل على رسوله -عليه السلام- بأن نبّهه على ذلك وأعلمه إياه.

(وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي: وما يضلون فيما حاولوا من التلبيس على النبي -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عن صاحبهم واتهامهم غيره إلا أنفسهم في الحال والمآل، لأن ضرر ذلك عائد إليهم، حيث سعوا في تبرئة السارق حقاً واتهام غيره.

• قال القرطبي: لأنهم يعملون عمل الضالين، فوباله لهم راجع عليهم.

(وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمعنى: أنهم ما يمكن أن يضرونك بشيء أبداً لفضل الله عليك ورحمته بك وعصمته لك وبيانه الحق.

• قال الطبري: وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلُّوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته (من شيء)، لأن الله مثبِّتك ومسدِّدك في أمورك، ومبيِّن لك أمر من سعوا في إضلالك عن الحق في أمره وأمرهم، ففاضِحُه وإياهم.

• قال ابن الجوزي: فإن قيل: كيف قال (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهَمَّت طائفة) وقد همت بإضلاله؟

فالجواب: أنه لولا فضل الله عليك ورحمته، لظهر تأثير ما همّوا به.

(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمراد بالكتاب القرآن.

(وَالْحِكْمَةَ) قيل: السنة، كما قال تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) وقيل: معرفة حكم واسرار الشريعة، ولا مانع من حمل الآية على المعنيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>