(إِذْ تُصْعِدُونَ) أي: في الجبل هاربين من أعدائكم.
قال البغوي: الإصعاد السير في مستوى الأرض، والصعود: الارتفاع على الجبال والسطوح.
قوله تعالى (إِذْ تُصْعِدُونَ) فيه قولان:
أحدهما: أنه متعلق بقوله (ولقد عنكم) كأنه قال وعفا عنكم إذ تصعدون، لأن عفوه عنهم لابد وأن يتعلق بأمر اقترفوه، وذلك الأمر هو ما بينه بقوله:(إِذْ تُصْعِدُونَ) والمراد به ما صدر عنهم من مفارقة ذلك المكان والأخذ في الوادي كالمنهزمين لا يلوون على أحد، واختار هذا ابن جرير.
قال ابن جرير: يعني بذلك جل ثناؤه، ولقد عفا عنكم أيها المؤمنون إذ لم يستأصلكم، إهلاكاً منه جمعكم بذنوبكم، وهربكم (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ).
وثانيها: التقدير: ثم صرفكم عنهم إذ تصعدون، وهذا الذي ذكره ابن كثير.
قال ابن كثير: أي صرفكم عنهم (إذ تصعدون) أي: في الجبل هاربين من أعدائكم.
(وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ) أي: ولا تلتفتون إلى ما وراءكم من الدهشة والرعب والخوف.
(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ) أي: والرسول قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرجعة والعودة والكرة.
قال ابن كثير: وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أفرد في اثنى عشر رجلا من أصحابه.
عن البراء بن عازب قال (جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلا-عبد الله بن جُبير قال: ووضعهم موضعًا وقال: "إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ وَإنْ رَأيْتُمُونَا ظَهَرنَا عَلَى الْعَدُوّ وأوَطأناهُمْ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرسِلَ إلَيْكُمْ قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يَشْتددن على الجبل، وقد بدت أسْؤُقُهنّ وخَلاخلُهُن رافعات ثيابهُن، فقال أصحاب عبد الله: الغَنِيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ قال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: إنا والله لَنَأتيَن الناس فَلنُصِبيَنَّ من الغنيمة. فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير اثنى عشر رجلا فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه أصابوا من المشركين يوم بَدْر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا وسبعين قتيلاً .. ) رواه أحمد.