للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• ومن قدرته أنه سبحانه: يعز من يشاء ويذل من يشاء ويؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، وينسخ من الأحكام ما يشاء ويبقي ما يشاء، كما قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

• ووجه ختم قوله تعالى (ما ننسخ … ) بقوله تعالى (ألم تعلم أن الله على … )؟ بيان قدرة الله ونفي العجز عنه، فالله قادر على أن يأتي بالآية المحكمة قبل الآية المنسوخة، ولكن يؤخر هذه ويُبدل هذه بتلك، وهو عالم بالأول والآخر، ويعلم ما يصلح الناس في وقت وما يصلحهم في الوقت الآخر.

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: خلقاً وملكاً وتدبيراً، فهو سبحانه مالك الأعيان، ومالك التصرف فيها.

• قال الشوكاني: أي له التصرف في السموات والأرض بالإيجاد، والاختراع، ونفوذ الأمر في جميع مخلوقاته، فهو أعلم بمصالح عباده، وما فيه النفع لهم من أحكامه التي تعبدهم بها، وشرعها لهم. وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال، والأزمنة، والأشخاص، وهذا صنع من لا وليّ لهم غيره، ولا نصير سواه، فعليهم أن يتلقوه بالقبول، والامتثال، والتعظيم، والإجلال.

• والفائدة من إيماننا بأن لله ملك السموات والأرض يفيد فائدتين عظيمتين:

الفائدة الأولى: الرضا بقضاء الله، وأن الله لو قضى عليك مرضاً فلا تعترض، ولو قضى عليك فقراً فلا تعترض، لأنك ملكه يتصرف فيك كما يشاء ..

الفائدة الثانية: الرضا بشرعه وقبوله والقيام به، لأنك ملكه.

قال ابن كثير: يرشد عباده تعالى بهذه الآية إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما يخلقهم كما يشاء ويسعد من يشاء، ويخذل من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ويبيح ما يشاء ويحظر ما يشاء وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى، ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى، فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا، وامتثال ما أمروا، وترك ما عنه زجروا.

وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم لعنهم الله في دعوى استحالة النسخ إما عقلاً كما زعمه بعضهم جهلاً وكفراً، وإما نقلاً كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>